Read the Beforeitsnews.com story here. Advertise at Before It's News here.
Profile image
Story Views
Now:
Last hour:
Last 24 hours:
Total:

الصندوق الاسود لوزارة الصحة، وأسباب تأخر بناء الدولة الليبية بعد الثورة. (الجزء الثاني)

% of readers think this story is Fact. Add your two cents.


تقرير اليوم سيكون محوره موضوع المعدات الطبية وصياناتها، ولكن قبل أن أولج في الحديث حول برنامج المعدات الطبية، لابد لي من توضيح بعض النقاط بخصوص ما ورد مني في الجزء الأول، والتي لاحظت تكرار السؤال عنها من العديد من القراء الكرام.
والسؤال المتكرر كان حول نقطة، لماذا لم يصدر مني هذا التقرير خلال فترتي الوزارية؟ وهنا أدعو الجميع إلى النظر إلى تاريخ تحرير الرسالة، والذي سبق مغادرتي لليبيا بيومين فقط، فليس من المعقول أن يتوقع أحد من أي وزير أو مسؤول أن ينشر مراسلاته في الإعلام بمجرّد صدورها منه، ولا حتى بعدها، إلا إذا دعت الضرورة لذلك كما حدث هنا، عندما يصبح الشك في عدم وصولها إلى الجهات المعنية حقيقة مثبتة، وأؤكد هنا بأن الملف قد تمت إحالته مباشرة في حينها إلى جهات الإختصاص للتحقيق في الموضوع، ولاتخاذ الإجراء القانوني اللازم بالخصوص.
كما أود أن أشير هنا إلى أمرٍ هامٍ فاتني ذكره في الجزء الأول، وهو أنه، وبالرغم من أن المراسلة الخاصة بالمرافق الصحية الوهمية كانت موجهة إلى السيد رئيس ديوان المحاسبة، ونسخ منها إلى رئيس المؤتمر ورئيس الوزراء، إلا أني، وتحسباً لاحتمال أن يتم إخفائها عنهم من قبل الأيادي الخفية لشبكة الفساد من الموظفين الصغار والمستشيرة في جميع الوزارات، والدوائر الحكومية، بما فيها مكتب رئيس الوزراء والمؤتمر وحتى ديوان المحاسبة نفسه، قمنا بإرسال نسخ أخرى منها ومن جميع تقارير وزارة الصحة (المخالفات وملف الجرحى أيضاً) خلال الحكومة الانتقالية إلى رئيس قسم المخابرات، ورئيس هيئة محاربة الفساد، وأيضا 64 مجلس محلي! كلّ ذلك لضمان عدم ضياعها واعتقادا منا بأننا بذلك قد تأكّدنا بأنه سيتم إتخاذ الإجراء الصحيح تجاهها!.
وبعد كل هذه ومع التزام الجميع الصمت بخصوص ما قدّمته، وبعد أن وصلت الأمور للطعنٍ في وطنيتي وأمانتى المهنية وذمّتي المالية، فلزم مني التوضيح ، خصوصا أن صمت البعض جبناً، وخوفا من أن يطالهم ما طالني من تشهير، ومنهم من عمد وتواطأ لإخفاء الحقيقة، إضافةً إلى أنه لا يعقل أن لا يكون كل من استلموا النسخ عن المرافق الوهمية لم يطّلعوا عليها، لذلك أيقنت بعد هذا أن التزام الجميع بالصمت ليست له أي دلالةٍ أخرى سوى أحد أمرين، إما أن من ارسلت إليهم من لم يكلّف نفسه بالإطلاع عليها أصلاً، وهناك من اطلع عليها ولكنه آثر عدم إثارة الموضوع، وهو متورط بدون شكّ، إما بصلة قرابة أو بصداقة أو صلة الجوار، أو أنهم هم أنفسهم شخصيا لهم صلة بالموضوع، ولذا فقد تم التعتيم عليه، فكما هو مبيّن بالوثائق، عدد العاملين بهذه المرافق لا يقل عن 1200 شخص موزعين في أرجاءٍ متفرِّقة من ليبيا.
ومع هذا فالأمر لا يثبت تهمة تورط هذه المناطق بالجرم، فقد يكون هؤلاء اللصوص من مناطق أخرى بعيدة كل البعد عن مواقع هذه المرافق الوهمية، وذلك لإبعاد الشبهة عن أنفسهم. ورغم الصدمة التي شعر بها الكثيرون لدى إطلاعهم على التقرير، إلّا أني لا أجد ما يمكنني أن أُهَوِّن به عليهم، بل على العكس، فحسب اعتقادي، أن هذه المرافق رشوة بسيطة لصبيان يخدمون لصوصا ومحتالين ورؤوسا أكبر، وأكثر تمكُّناً وتمرّسا وخبرةً في الإحتيال المقنن، وذلك لأجل ضمان تأمين مصالحهم وتنفيذ ما هو أشدّ جرما وأفدح، ولهذا السبب فقد تم حجب هذه المستندات، ولم تعد لي وسيلة لي لإظهار الحق سوى بالإتجاه إلى نشر ما لديّ من مستندات توضح الحقيقة، والإشراف على ذلك بنفسي، ولتصبح المسؤولية مسؤولية الجميع.
كما ليكن واضحا للجميع، أن سبب وصول الحديث والتوضيح الآن فقط إلى الشعب الليبي ليس بسبب وجودي في الوزارة، كما يُراد أن يسوق له حاليا من قِبل النفوس المريضة، بل لأنهم نجحوا في التعتيم على الحقيقة وتغييبها حين كنت بالوزارة، انتهازا لفرصة عدم تفرّغي لهم، واعتمادي على المكتب الإعلامي بالوزارة والذي لم يكن إلا جزءا لا يتجزّأ من نفس المنظومة التي تتحكّم في كل ما يصل المواطن من معلومات. إن الفرق بين الآن وذلك الوقت فهو فقط في أن المعلومات الآن تصل مباشرةً مني وبدون تدخّلٍ من الإعلام الفاسد والمسيّس، الذي كان يتحكّم في نشر ما يصدر منّي ويمنع نشره أو يقوم بتحريفه، ولا اعتقد ان أحداً يتصوّر إمكانية أن يترك وزيراً عمله كوزير ليتابع ليلا نهارا ما يتم نشره في الإعلام ويرد عليه شخصياً.
ويجب الإشارة هنا إلى أن عدد ما لا يقل عن نصف من نشروا لي أو حاوروني، تعرّضت مقارهم للتخريب أو تعرّضوا هم أنفسهم إلى التهديد، والترهيب مباشرة، بعد النشر، ويكفي هذا لإظهار الجانب الإجرامي المتّصل بمن لا يرغبون للشعب الليبي بأن يعرف الحقيقة. آمل أن أكون بهذا قد وُفّقت إلى إيضاح بعض ما غمض.
ورد يوم 07/09/2013 خبر عن وكالة عاجل ليبيا مفاده أن قسم الاطفال حديثي الولادة بمستشفى الجمهورية ببنغازي تعرّض بتاريخ 05/09/2013 لانقطاع التيار الكهربائي ولمدة ساعة كاملة، مما اثار حالة من الارباك والهلع، بين الاطباء وأطقم التمريض، حيث أن خَمسٌ من هؤلاء المواليد كان تنفسهم مرتبطا بأجهزة التنفس الصناعي المشغّلة بالكهرباء، كذلك فقد لفت نظري في هذا التقرير أيضاً تصريح رئيس وحدة الشؤون الطبية، بأن رئيس قسم الصيانة لم يجب على الهاتف، مما اضطرهم للإستعانة بالغرفة الأمنية ببنغازي لتشغيل الكهرباء، بمجهوداتهم الشخصية في ظل غياب قسم الصيانة بالمستشفى، وأي مساعدة فنية من شركة الكهرباء ببنغازي.
تثير هذه الحادثة المؤسفة في ذهني ذكريات أليمة لأحداث جرَت خلال مرحلة الحكومة الإنتقالية، وتنقلني إلى صلب الموضوع في الجزء الثاني من الصندوق الأسود لوزارة الصحة، ألا وهو موضوع المعدات والمستلزمات الطبية، والشركات المتعاقد معها في وزارة الصحة الليبية بهذا الشأن، ولقد ذكّرتني هذه الحادثة بحادثة أخرى مشابهة حصلت معي في فبراير 2012 حين انقطع الأكسجين عن العناية المركّزة بمستشفى الهواري ببنغازي، وتوفي على إثرها ثلاثة نزلاء، لعل المتابع للأحداث قد لاحظ الفرق في ردة الفعل الإعلامية بين الحالتين رغم التشابه الشديد في فداحتهما.
ففي حادثة الهواري إتضح أيضاً أنّ قسم الصيانة كان متهاوناً في عمله إضافةً إلى أن ملابسات الحادثة كانت تشير بشكل مريب إلى إحتمال أنها كانت متعمّدة وبفعل فاعلٍ، وخصوصا حين تبيّن لنا من خلال التحقيقات الأولية على مستوى الوزارة أن تلك الحادثة لم تكن الأولى، بل أنه قد سبق حدوث نفس الحدث بنفس المستشفى في بداية شهر اكتوبر 2011، خلال مرحلة المكتب التنفيذي، وتوفي على إثرِها نزيلين وكان المدير الإداري حينها السيد عقيلة الكزّة، والذي بقدرة قادر تمكّن من طيّ الملف ودفنه بدون أن يُتَّخَذ أي إجراء يحاسَب به المسؤولين عن هذا الخلل.
وخلال نفس الفترة، أكّد لي مدير مركز بنغازي الطبي شخصياً، بأنه هو أيضا قد تكرر لديه في المركز عدة مرات أن وجد بعض أنابيب الأكسجين مقطوعة، وقد قام بترميمها بدون إحداث ضجة، وعلّل ذلك بأنه لم يرد إفزاع النزلاء، والأطقم العاملة بالمستشفى، في نفس الفترة أيضاً، تكرر قطع الأكسجين على غرفة العمليات بمستشفى الجمهورية للنساء والولادة ببنغازي، خلال إجراء بعض العمليات القيصرية، وبالتحديد في الفترة المسائية فقط، وقد وردني هذا البلاغ من طبيبة تعمل بمستشفى الجمهورية، وذلك خلال ثلاثة أيام بعد حادثة الهواري. وحين طلبت منها إرسال تقرير لإبلاغي بتفاصيل تلك الحوادث، قامت مشكورة بذلك، إلا أنها لاقت صعوبة جمة وعداوة غير مفهومة من مدير المستشفى حينها، د.رجب الطبجي!
كل هذه الأمور، إضافة إلى بعض التصريحات التي صدرت من أشخاص مشتبه بصلتهم بالموضوع وتورّطهم في صفقات فاسدة بالوزارة، كل هذه المؤشرات أدّت بنا إلى التعامل مع جميع هذه الحوادث على أنها قضايا جنائية متعمّدة، بغرض تأليب الشارع على الحكومة، ولكننا حسبنا عامل الإهمال كاحتمال قائمٍ أيضاً، إلى أن تصادف أني زرت مدينة سرت خلال ثلاثة أسابيع من حادثة الهواري، لأفاجأ بمدير المستشفى يحضر لي جزءاً من أنبوب أكسجين نحاسي به ثقبين بجهاز الثقب الكهربائي (ترابنو)، مما لم يدع هناك أي مجالٍ للشك بأن كل هذه الأحداث كانت كلها مترابطة، وبفعل فاعل لغرض ضرب الثورة وإفشال الحكومة عن طريق إثارة غضب الشارع ضدها، وخصوصا مع ما صاحب تلك المرحلة من هجوم إعلامي لم يسبق له مثيل في تاريخ ليبيا.
عندما صعدنا الطائرة عائدين من سرت إلى بنغازي، كان السيد المستشار مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الإنتقالي، والسيد عبدالرحيم الكيب، رئيس مجلس الوزراء، جالسين أمامي في الطائرة، فقد كانت الرحلة تجمع بين الحكومة الانتقالية والمجلس الإنتقالي، بلغنا أن مسلّحين قد أحاطوا بمبنى رئاسة الوزراء، مزودين بالأسلحة بينها عدد 13 م ط موجّهة إلى المبنى، مطالبين بالسفر للخارج بحجة العلاج، ومطالبين بإقالة وزير الصحة! لم يكن في ذلك الوقت أي علاقة للجرحي بالوزارة، بل كانت تحت إشراف رئيس الوزراء نفسه ونائبه السيد بوشاقور، عن طريق هيئة شؤون الجرحى التي كان يترأسها السيد أشرف بن إسماعيل.
ولكن كنت خلال تلك الفترة أعدّ لاستلام الملفّ وأسعى لإنهاء عمل الهيئة، وفتح باب التحقيق والتدقيق في الكيفية التي تمت بها إدارتها وصرف ميزانيتها، فما كان منّي إلا أن أظهرت الأنبوب النحاسي للسيد مصطفى عبد الجليل وللسيد الكيب، كشاهدٍ على وجود أيادٍ سوداء تسعى إلى تكريس الفساد واستمراره، وتعمل على إزاحتي من الطريق ليتسنى لها العبث بمقدرات وسمعة الوطن وشعبه، بعد أن أصبحت لهم كالشوكة في الحلق.
والحقيقة فقد فوجئ السيد المستشار، وطلب مني أن أعلم الشعب عن طريق الإعلام بهذه التفاصيل. أوكلت الأمر إلى إدارة الإعلام بالوزارة، ولكنها لم تحرّك ساكناً، وظلت الحقيقة محصورة بين عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الأشخاص، وتم تغييبها عن الشعب بكامله عمداً.
الملفتِ للنظر أيضا أن حادثة الهواري، تلت مباشرةً برنامجا تم بثُه على إحدى القنوات التلفزية، اللقاء كان مع مقدّم في الشرطة، وهو السيد فرج العرفي، بين فيه ثلاث قضايا هامة بالمستندات وكانت في غاية الخطورة.
القضية الأولى: تفاصيل عطاء 17 للإمداد الطبي، والذي وقع عليه د.ناجي بركات ود.عياد عبد الواحد وعقلية الكزة، وقد ذكرت هذا العطاء في الجزء السابق، وقد بيّن السيد العرفي، وعلى الهواء مباشرة وبوضوح وبالمستندات الشركات التي كان متعاقد معها في هذا العطاء، وأسماء المالكين لها أو أسماء مالكي أسهما فيها، وصلتهم الوثيقة بالنظام السابق.
القضية الثانية: موضوع حمولة علاج للسكر، منقولة من الغرب إلى الشرق خلال فترة الثورة وقبل تحرير طرابلس، برعاية لجنة الصحة حينها، وقد وصلت إلى بنغازي ناقصةً بقيمة النصف، أي أن ما يقارب ما قيمته 200 ألف دينار على أقل تقدير، وقد تم سرقتها في الطريق خلال النقل.
القضية الثالثة: وهي الأسوأ على الإطلاق، فقد كانت تخصّ قصة وصول شحنة من مشتقات الدم إلى مركز بنغازي الطبي في شهر 06/2011 حين كان د.فتحي الشيباني رئيس اللجنة التسييرية به، مدفوعة الثمن من طرابلس (قبل التحرير وخلال الثورة)، والعميل المورّد من مصر والشركة أوروبية. وضعت بثلاجات المستشفى بدون تحليل، وبعد إصرار من شخصٍ بالمعمل، لا يحضرني الآن اسمه، تم تحليل عينة منها ليتبيّن من التحليل الأولي أنها كنت موجبة لمرض الإيدز، وتزامن هذا مع بلاغ من رئيسة قسم الصيدلة بالمركز عن اكتشافها لمجموعة أخرى من الأمصال في الثلاجة التي لا يملك سواها مفتاحها لخطورة ما بها من أدوية، ولكنها بمجرد بلاغها، فوجئت في اليوم التالي باختفاء هذه المجموعة.
تم البدء حينها في التحقيقات بالخصوص، ولكن، حسب التقرير الذي وردني، والذي تم نشره تلك الليلة من خلال تلك المقابلة، دُفِن الملف في مكتب النائب العام، وتم التهجم على ضابط التحقيق وانتهت القضية، كما أشار السيد العرفي خلال تقديمه لشهادته على الهواء، إلى أننا قمنا بتقديم طلب للنائب العام لإعادة فتح باب التحقيق فيها جميعا، وذلك بناء على ما ورده مني شخصيا من معلومات، وبيّن أن تقدمه بالمستندات على الهواء مباشرة كان لأجل أن يوضح للشعب الليبي، أسباب الحملات الإعلامية الموجّهة ضدنا إضافةً إلى الضغط على السلطات لفتح باب التحقيق بجدية فيها جميعا، لما يتعلّق بها من أمور تمس سلامة المواطنين وأمننا القومي.
كانت لتلك الحلقة صدىً قوي بين المشاهدين، ولكن سرعان ما تم تحويل الرأي العام تجاه حادثة الأكسجين في الصباح التالي مباشرةً، وقد كان السيد عقيلة الكزة أول الحضور للقاء وسائل الإعلام ذلك الصباح الباكر عند السابعة، متهما إيانا بالتقصير وبعدم توفير الأكسجين بالمستشفى والتسبب في وفاة سبعة نزلاء! (وقد تبيّن فيما بعد أن الوفيات كانت ثلاثة وأن شخصا رابعا كان قد توفي لأسباب أخرى، أضيف هو الآخر إلى القائمة، أما الإثنين الآخرين فقد كانا محالين إلى قسمِ آخر)، ولا يوجد لديّ أدنى شك في أن تواجد الكزة في ذلك المكان، وفي ذلك الصباح الباكر كان بقصد تظليل الرأي العام ضد الوزارة، وهو ما نجح فيه بالفعل.
لن اتطرّق إلى التفاصيل الناتجة عن تحقيقاتنا الأولية بالوزارة بخصوص مستشفيَي الهواري والجمهورية لعدم الإطالة، ولكن سأذكر خلاصة التحقيقين، بالنسبة للهواري فقد تبيّن أن عامل الصيانة لم يستجب للإنذار الأوتوماتيكي رغم وجود ما يكفي من الأكسجين الإحتياط، ووجود منظومة أكسجين احتياط أخرى، في حال حدوث خلل في الأولى. أما بالنسبة للجمهورية، فلم يكن هناك أي خلل بالمنظومة وقد كان مخزون الأكسجين لديهم يعادل خمسة أضعاف الكمية المفروضة، إلا أن إدارة المستشفى كانت تسعى للضغط على الوزارة للتعاقد مع شركة معيّنة ، لشراء منظومة أكسجين أخرى!
منذ الأسبوع الأول لتولي عملي الوزارة، بدأت في زيارات إلى مستشفيات ليبيا، وكانت ملاحظتي الأولى هي الشكوى المتكررة من الجميع بدون استثناء، بأنهم مهمّشين ظنّاً منهم بأن المناطق الأخرى في حال جيد وأوفر حظا، وبحكم زياراتى حينها للكثير منها خلال فترة وجيزة، كان بإمكاني المقارنة، وكانت الصورة الأكبر التي رأيتها والتي لم يكن بوسعهم هم رؤيتها، هي أن حالة المستشفيات جميعها بدرجةٍ من السوء يرثى لها تجعلك تأسف على العاملين بها، وعلى المترددين عليها سواء، فلم تكن بأي حالٍ من الأحوال متناسبة مع دخل ليبيا من البترول فقط، ناهيك عن الثروات الأخرى المهملة كالثروة البحرية، وما يمكن أن تدخله السياحة! أمّا الظاهرة الثانية التي برزت لي بشكل متكرر خلال زياراتى في الأسابيع الأولى للمستشفيات في مختلف أنحاء ليبيا، كانت ظاهرة عطل الكثير من المعدات الطبية وانعدام الصيانة لها، وتوقف استكمال المشاريع القائمة، إضافةً إلى أن العديد من الأجهزة كان غير مستعملا بتاتا، ومتراكمة بشكل ملفتٍ للنظر لسنوات، بعضها لا يزال في صناديقه، وذلك بسبب توريدها ناقصةً أصلاً.
كما تبيّن لى أن سوق المعدات الطبية في ليبيا، كان ولا يزال يسيطر على غالبيته ثلاث شركات: الأولى: مجموعة شركات لمالكٍ واحدٍ وهو السيد جمعة الأسطى، ويقوم بإدارتها أخيه حسن الأسطى وهو وكيل الفيلبس في ليبيا، أذكر منها الصدى وشندقورة، إضافةً إلى ملكيته لقناة العاصمة.الثانية: مجموعة شركات أخرى، أعرف منها الصقر الأخضر، ويملكها السيد محمد المنصوري، وكيل GE، ونسيب عبدالله السنوسي. الثالثة:يملكها السيد مصباح الزويّي، وكيل فريزينيا، ومورّد أجهزة غسيل الكلى في جميع أنحاء ليبيا.
وكانت لي ثلاث ملاحظات واضحة:
1. تعطّل صيانة عدد لا يحصى من الأجهزة التابعة لهذه الشركات.
2. مطالبة الشركات بسداد ديونها المتراكمة كشرطٍ قبل أن تباشر الصيانة للأجهزة العاطلة.
3. أن 95% من مشروعات وزارة الصحة تحت سيطرة جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، بإدارة السيد عبدالحميد ادبيبة، كطرف ثالث متعاقدٍ مع الوزارة ليتعاقد بدوره مع الشركات المحلية والعالمية لتنفيذ المشروعات التنموية، ويستلم ميزانيته مباشرة من الخزانة العامة ليتم المشروعات من بناء وتجهيزات طبية، ويسلّمها كاملة إلى الوزارة، وإلى حين التسليم لا تملك الوزارة أي سيطرة على هذه المشروعات. كان الجهاز تحت وزارة المرافق والإسكان، والذي تم تجميد حساباته لاحقا، في منتصف شهر مايو 2012 من ضمن الحسابات التي تم تجميدها لتبعيتها لأركان النظام السابق.
والحقيقة فقد أصبحت الوزارة بهذا بين المطرقة والسندان: لا سلطة لها على مشاريعها، وبين جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية المشلول بحجة انعدام الميزانية في البداية بسبب استخدام الطاغية لها في حربه ضد الثورة، ثم بسبب تجميد أصوله!! وأخيرا بعد ان تم استثنائه من التجميد، تم تشكيل لجنة العشرين بالحكومة الانتقالية للبثّ في المشاريع المقدّمة، والتي لم تجتمع كما كان مقررا لها، فوجدنا انفسنا ندور في حلقات مفرغة من البيروقراطية التي بدت لنا متعمّدة لعرقلة تحقيق أي إنجاز خلال المرحلة الانتقالية.
ولا يفوتني أيضاً أن أشير إلى مشكلة كبيرة صاحبت كل إجراء أردنا إتمامه، وهي عدم وجود قدرة وإرادة حقيقية لمدراء هذه المستشفيات أو المرافق لكتابة تقارير عن تقاعس الشركات عن القيام بأعمالها، ولا أدري إن كان ذلك لقلة الدراية أو بسبب الخوف أو بسبب ضعف الحس بالمسؤولية.
لفت نظري في البداية الكم الهائل من الأجهزة العاطلة لشركة الفيلبس، وحين علمت أن وكيلها واحد، ذكرت للسيد عياد عبد الواحد والسيد عقيلة الكزة، (رئيس قسم الإمداد ببنغازي)، بأننا سنتصل شخصياً بشركة الفيلبس لإبلاغهم بأن وكيلهم لا يوفر الصيانة للمعدات التابعة لهم، وسنطالب بتغييره بوكيل آخر أكثر اهتماماً وحرصا على سلامة المواطن، حيث أن استمراية صيانة المعدات الطبية هي من مهام الوكيل للشركة، وأي نقص في هذه الخدمات يعود على الشركة بالسمعة السيئة. ولكن، بمجرد عودتي إلى طرابلس وخلال يومين بالتحديد، كان السيد حسن الأسطى في مكتبي، واعداً بإتمام الصيانة خلال أسبوعٍ واحدٍ فقط في جميع أنحاء ليبيا، وبالفعل وفَى بوعده وعادت جميع أجهزة الفيلبس إلى العمل من جديد.
واجهتنا كذلك مشاكل النقص الحاد للمعدّات في المناطق التي كانت تحدث بها الإشتباكات، ولكن السيد حسن الأسطى كان دوما هو السبّاق في توفير أي جهاز ناقصٍ، وكانت جميع الأجهزة تصل إلى المطار خلال ساعتين من طلبنا لها، والحقيقة كان ذلك بالنسبة لنا بمثابة شريان الحياة، وقبلنا تلك الخدمات بالعرفان،  حيث لم يكن لدينا خيار سوى القبول في ظل تلك الظروف القاهرة.
أما شركة ال GE والتي كان وكيلها السيد محمد المنصوري باسم شركة الصقر الأخضر، فقد تعرّفتُ عليها بعد إبلاغي عن خلل في جهاز القطاعات الإشعاعي بمستشفى الجلاء ببنغازي، وبالطبع فقد كانت هناك حاجة ملحّة وعاجلة لوجود هذا الجهاز في المستشفى بصفته مركز الحوادث في بنغازي. اتضح أن السيد محمد المنصوري كان يرفض صيانة الجهاز، رغم خطورة هذا التصرّف وأثره في التسبب في الكثير من الوفيات لتعذّر التشخيص، وكان يشترط سداد ديونه من الوزارة قبل الشروع في صيانة الجهاز. كانت قيمة الديون المطلوبة 20 مليون دينار، وكان الجهاز مؤجراً للمستشفى ومرهونا لدى المصرف، وكان ما قد تم دفعه من إيجار للجهاز ما بقارب الخمس مليون دينار، بينما ثمن الجهاز جديدا كان لا يزيد عن مليون وخمسمئة دينار!!!! والحقيقة، غضبت جداً من هذه المعادلة المقززة، والتي تدل بشكل قطعي على التواطؤ من المؤجر والمستأجر سواء، والاحتيال على ميزانية الوزارة وسلب المال العام بجرأة لم أرَ لها في حياتي نظير، فما كان مني إلا أن أحلت الموضوع برمّته إلى ديوان المحاسبة وامتنعت عن دفع المبلغ المطلوب، وفتحت عطاءًٍ عاجلا لشراء جهاز جديد للمستشفى، حيث أن هذا قد استهلك بعامل الزمن إضافةً إلى أن صاحبه قد حصل على ثلاثة أضعاف ثمنه جديدا كإيجارٍ فقط.
شركة الصقر الأخضر لها عقود كثيرة أخرى مع وزارة الصحة، وأذكر منها عقد تجهيز مستشفى صرمان، والذي كان مستكمل البناء ولكن برنامج تجهيزه كان تحت يد جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، والذي كان يشرف عليه السيد عبدالحميد ادبيبة. وقد كانت الشركة متأخرة جداً في تجهيزه، أما البناء فقد كان الوكيل المشرف عليه هو السيد حسن الأسطى بالتعاقد مع شركة تركية. قمت بزيارة إلى المستشفى وبهرني المستوى الرائع الذي كان عليه المبنى، فقد فاق الكثير من المستشفيات التي عرفتها في أوروبا. حين تقاعس السيد محمد المنصوري عن استكمال تجهيز المستشفى، عرض علينا السيد حسن الأسطى أن يتولى تجهيزه ومعه عيادة رعاية صحية أولية بدرنة بنفس القيمة وخلال ثلاثة أشهر فقط.
بعد أن تأكد لنا أن شركة الصقر الأخضر لم تباشر عملها، وانقضاء المدة المقررة لها بالخصوص، قمنا بتقديم هذا العرض إلى مجلس الوزراء، وتمت الموافقة في شهر أغسطس 2012، وبالفعل تم تسليم المشروع للسيد حسن الأسطى، وقد كان المتوقع أن يبدأ المستشفى الجديد والعيادة الموعودة بتقديم خدماتها للمواطنين، مع بداية العام 2013، وهذا يطرح تساؤلا، أود من الوزير د.دغمان أن يجيب عليه: ماذا حصل لهذا المشروع؟
فيما يخص أجهزة الغسيل الكلوي لشركة فريزينيا، والتي كان وكيلها في ليبيا السيد مصباح الزويّي، فقد كانت جلّها بحاجة إلى عناية مستمرّة ومواد تشغيل، وفي بداية تسلّمي للوزارة كان هناك نقصا واضحا فيها، وخصوصا مع تزايد حالات الغسيل بسبب الإصابات في الثورة، إضافة إلى الحالات الموجودة أصلا بسبب السكري وأمراض أخرى. لم يتصل بي السيد الزويي، فقد كان تعامله مباشر مع المستشفيات، والحقيقة أنه في فترة لا تتجاوز الأربعة أشهر من الحكومة الإنتقالية، تمكّن من تزويد ليبيا بكاملها بأجهزة الغسيل، بما يكفي لوقف إيفاد مرضى الغسيل للخارج لهذا الغرض، وأذكر من ضمن المراكز التي افتتحتها خلال الفترة الانتقالية، مركز قرطبة بطرابلس ومركز الغسيل الكلوي بزوارة.
من طرائف الأمور، وسخرية القدر أيضاً، أن كُتِبَ على الحكومة الإنتقالية أن تستمر أربعة أشهر أطول من المدة المقررة لها، وكان للبعض برامجا وخططا جاهزة ومعدّة لتتماشى مع انتهاء الحكومة، فقد كان المتوقّع من الجميع، وبعد انتخاب السيد زيدان، أن يأتي بأسماء وزاراته خلال اسبوع، ولكنه طلب أن يُمهل لمدة ثلاثة أسابيع أخرى قبل أن يعلن عن وزراء حكومته، فتصادف الموعد الأول مع زيارتي إلى مدينة الكفرة لافتتاح مركز للعلاج الطبيعي وصيدلية وعيادة. لأفاجأ ذلك الصباح، ونحن في طريقنا إلى المطار، بمدير إدارة الصيدلة والمعدّات، السيد محمود الأسطى عمر، يبلغني بأن 24 جهاز في مستشفيات مختلفة قد أصابتها أعطاب وبحاجة إلى صيانة !
كان سؤالي المباشر: ما هي الأجهزة، وكيف تعطلت في يوم واحد؟ لم أتوقع الرد: لقد كانت جميعها أجهزة فيلبس! الحقيقة، لم أتمالك نفسي من الغضب، ورددت عليه: هل تريد ان تقنعني بأن عطلها في اليوم المتوقع أن يبدأ الوزير الجديد عمله حصل بمحض الصدفة؟ وأضفت بأني سأفتح باب التحقيق في هذه المصادفة العجيبة، والتي تزامنت مع اليوم المتوقع لخروجي من الوزارة لولا تغيير السيد زيدان لموعد إعلانه عن الوزراء الجدد!
الأمر لا يحتاج إلى نابغة ليستنتج أنه مدبّر، لكي يهرع الوزير الجديد إلى إصلاح الأعطاب مباشرةً حتى يضمن سلامة المترددين على تلك المستشفيات وحتى لا يبدأ وزارته بالفشل!
كانت ردة فعل مدير إدارة الصيدلة والمعدّات أكثر عجباً من الفعل نفسه: فقد اتصل مباشرة، وأمامي، بالسيد حسن الأسطى ليبلغه بأن الوزيرة تطلب منه فتح باب التحقيق!
هنا سلّمت بالكامل! فلا حيل لي مع هذه الأعمال، ولا املك سوى قول: حسبنا الله ونعم الوكيل… كان واضحا أنه ينذره بما كنت سأقدم عليه من إجراء، ولم أخفِ ذلك عنه بالطبع، ولكنه كان له ما أراد، فبقدرة قادرٍ من جديد، عادت جميع الأجهزة المذكورة إلى العمل بدون صيانة إلى أن غادرت الوزارة!!
خلاصة القول: إن الشركات المتعاقدة مع وزارة الصحة والحكومة عامة عددها محدود، وتحتكر السوق وتمنع أي منافسٍ لها من النجاح، كما أن نفوذها قوي جدا على الموظفين بالوزارة، وتتعامل بنفس الطرق التي كانت تتعامل بها خلال فترة نظام القذافي إلى يومنا هذا، وذلك لأنها لا تزال تدار بذات الأشخاص نفسهم، ولم يتغيّر منهم أحد، بينما يضمن لها دوام البقاء اسطولٌ من الموظفين الصغار الذين ينالون ثمن خدماتهم من خلال خدمات وميزاتٍ أخرى تقدمها لهم هذه الشركات، كما تتراوح هذه الخدمات من تمرير العقود، إلى متابعتها في كافة الإجراءات، إبتداءً من قبول العطاء، إلى موافقة ديوان المحاسبة، إلى توقيع العقد، التفويض المالي سواء من وزارة التخطيط أو وزارة المالية، ومن نقطةِ “أ” إلى نقطة “ي” يحصل كل مشاركٍ على ثمن خدماته، ويتضاعف ثمن المشروع أضعافاً مضاعفة عن الثمن المفروض.
تُدار هذه العمليات بمهارةٍ وخبرة لا نظير لها، من خلال شبكةِ متواصلة، يشترك فيها من الوزارة الموظف بإدارة المشروعات، والموظّف بإدارة المعدّات والصيدلة، والموظف بإدارة الشؤون المالية والإدارية، والموظف بالمكتب القانوني، والمراقب المالي أيضا، كما يشترك فيها موظفون آخرون من وزارة المالية، وزارة التخطيط، وزارة الإسكان والمرافق، وزارة الكهرباء، وديوان المحاسبة!!!
ويظل دوما، من البداية إلى النهاية، الصالح العام هو آخر حسباتهم جميعا.
يكفي هنا اليوم، وسأواصل المزيد في جزء آخر بعون الله.
د. فاطمة الحمروش
09/09/2013


Source: http://libya-news.blogspot.com/2013/09/blog-post_10.html



Before It’s News® is a community of individuals who report on what’s going on around them, from all around the world.

Anyone can join.
Anyone can contribute.
Anyone can become informed about their world.

"United We Stand" Click Here To Create Your Personal Citizen Journalist Account Today, Be Sure To Invite Your Friends.

Please Help Support BeforeitsNews by trying our Natural Health Products below!


Order by Phone at 888-809-8385 or online at https://mitocopper.com M - F 9am to 5pm EST

Order by Phone at 866-388-7003 or online at https://www.herbanomic.com M - F 9am to 5pm EST

Order by Phone at 866-388-7003 or online at https://www.herbanomics.com M - F 9am to 5pm EST


Humic & Fulvic Trace Minerals Complex - Nature's most important supplement! Vivid Dreams again!

HNEX HydroNano EXtracellular Water - Improve immune system health and reduce inflammation.

Ultimate Clinical Potency Curcumin - Natural pain relief, reduce inflammation and so much more.

MitoCopper - Bioavailable Copper destroys pathogens and gives you more energy. (See Blood Video)

Oxy Powder - Natural Colon Cleanser!  Cleans out toxic buildup with oxygen!

Nascent Iodine - Promotes detoxification, mental focus and thyroid health.

Smart Meter Cover -  Reduces Smart Meter radiation by 96%! (See Video).

Report abuse

    Comments

    Your Comments
    Question   Razz  Sad   Evil  Exclaim  Smile  Redface  Biggrin  Surprised  Eek   Confused   Cool  LOL   Mad   Twisted  Rolleyes   Wink  Idea  Arrow  Neutral  Cry   Mr. Green

    MOST RECENT
    Load more ...

    SignUp

    Login

    Newsletter

    Email this story
    Email this story

    If you really want to ban this commenter, please write down the reason:

    If you really want to disable all recommended stories, click on OK button. After that, you will be redirect to your options page.